«54» اسئلة الربيع العربي
لعل النخب التي احتكرت السلطة طوال القرن العشرن نجحت في ترويض المجتمع، أو لعل الثقافة الموروثة شكلت إطارا لتصريف التوتر، وإقناع الجميع بشعار ”مالنا والدخول بين السلاطين“. في كل الأحوال لم يكن المواطن العربي شريكا في صناعة القرار المتعلق بحياته ومستقبل أبنائه، ولم يكن صوته مؤثرا في دوائر السياسة. بسبب هذا الانقطاع انعدمت الثقة المتبادلة بين الشعب والنخب السياسية، وباتت الريبة والشك موجها لتفكير كل طرف في الآخر.
الربيع العربي كان المناسبة التي شعر فيها الناس انهم - كجمع - قادرون على التغيير، وان الحكومات يمكن ان تصغي لأصواتهم إذا كانت عالية وكثيفة. العرب اليوم يشعرون بذاتهم، على المستوى الفردي والجمعي. يشعرون بانهم قادرون على اصلاح واقعهم اذا ارادوا، وهم أيضا يعرفون الطريق.
لا ينبغي المبالغة في التوقعات، سيما فيما يخص الزمن. الثورات الشعبية ذات طبيعة معقدة، وهي تنكمش وتتسع، تختفي وتظهر، بطريقة يصعب تفسيرها. لكن المهم في المسألة ككل، ان الحكومات العربية التي اعتادت الاستهزاء بالجمهور وعدم الاصغاء لصوته، لن تكون قادرة بعد الربيع العربي على مواصلة هذا السلوك.
يهمني هنا التشديد على الفارق بين الثورات التي يقوم بها الجمهور أو شريحة معتبرة منه، وبين الحركات التي يمكن وصفها بالانقلابية، سواء نظمت على يد مجموعة من العسكر أو على يد مجموعة سياسية محددة، فهذه أعمال مخططة ومنظمة تخضع في توقيتها لخطط أصحابها، ولا تندرج تحت وصف الثورات الشعبية التي تتسم بأنها عفوية، يمثل ”العامة“ عمودها الفقري. يمكن القول ان جميع الثورات الشعبية انفجرت بشكل فاجأ الجميع. الثورة الفرنسية والايرانية والانتفاضات التي شهدتها أوربا الشرقية بعد 1990، وصولا الى الربيع العربي.