«60» الدين والديمقراطية
لا شك ان موقفهم مؤثر، لأن عامة الناس قد ينخدعون باللغة الدينية التي يستعملها أعداء التقدم. الاستعمال الذرائعي للغة الدينية مؤثر بالتأكيد. لكن العائق الرئيس ليس التيار الديني. اذا اعتبرناه كذلك فنحن نبالغ في اهمية مواقفه.
اعتقد ان السياسة هي التي تعيق فعليا تحول المجتمع نحو الحداثة. في البلدان النامية، سيما المجتمعات التقليدية مثل مجتمعنا، تمثل الدولة المحرك الرئيس لكافة التحولات الاجتماعية تقريبا. ومن هنا فان مواقفها وسياساتها تنعكس بعمق على توجهات المجتمع وانشغالاته. التيار الديني ليس فاعلا مستقلا، لأن الجزء الأوسع منه يعمل في ظل الدولة، وهو يكيف خطابه وحدوده تبعا لسياساتها. ثمة تيار صغير يتخذ موقف العداء للدولة، لكنه لا يعبر عن قوة اجتماعية ذات شأن، وأظن انه لا يستطيع إعاقة أي تحول اجتماعي رئيسي.
فيما يخص التيار الديني العام، لو نظرنا في تاريخ التحولات الرئيسية في بلادنا، سيما تلك التي لها علاقة مباشرة بالتحديث، فسوف نجد انها جميعا ووجهت بمعارضة من جانب رجال الدين التقليديين، لكن الذي نجح منها هو ذلك الذي حظي بدعم الدولة. وبين الأمثلة التي يعرفها الجميع، يمكن استذكار موقفهم من انشار التلفزيون والتعليم وتعليم البنات والنظام المصرفي وتطوير القضاء وعمل النساء، بل حتى الاعمال التي طبيعتها دينية بحتة، مثل توسيع الحرمين وتنظيم ذبح الأضاحي وتسيير الجمعيات الخيرية والأوقاف. في هذه الأمثلة جميعا تبنى رجال الدين موقفا مخالفا لموقف الدولة، لكنهم جميعا تراجعوا او سكتوا حين حزمت الحكومة أمرها وقررت المضي في تلك الاعمال.
فيما يخص التعليم: يبلغ عدد السعوديين الحاصلين على شهادات جامعية نحو 3.3 مليون، بينهم 255 ألف يحملون شهادة الماجستير او الدكتوراه. ويبلغ عدد الطلبة المقيدين في الجامعات حاليا نحو 1.5 مليون. هذا يعني ان 24 بالمائة من السعوديين حصلوا على تعليم حديث في مستوى متقدم نسبيا. وهو يعني بالضرورة انهم يحصلون على وظائف متوسطة أو رفيعة. أفترض ان ما لا يقل عن ثلثي السعوديين، يمكن تصنيف مستواهم المعيشي ضمن الطبقة الوسطى «بالمعنى الاقتصادي فقط». هذه النسبة الكبيرة منخرطة في الاقتصاد الحديث، وهي متصلة مع العالم من خلال نظم الاتصالات الحديثة والانترنت. كما ان سكان المدن يشكلون اكثر من 75% من عدد المواطنين. وقد ناقشت بشيء من التفصيل بعض المؤشرات المتعلقة بهذا في كتابي ”سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي“.
زبدة القول ان تشخيص الجاهزية للتحول ممكن بمقاييس علمية معروفة. ويمكن لأي شخص تطبيقها على الأرقام والمعطيات المعروفة والمنشورة. وهي كلها تؤكد اننا جاهزون تماما. بل ان شريحة معتبرة من السعوديين تتبنى فعليا قيم الحداثة، وهذا ظاهر في السوق وفي الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي.